شهادتي على المجزرة المنظمة يوم الأربعاء

- شهادتي على المجزرة المنظمة يوم الأربعاء:

(ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين)

بعد صلاة الفجر والأذكار والشروق والضحى في تمام السادسة تقريبا علمنا حصار الجيش والشرطة لجميع مداخل الميدان واستعداده للهجوم
بدأ العدوان بالغاز الكثيف بدرجة كبيرة جدا وظللنا أمام الخيام وكنت مع الشهيد بإذن الله م/عادل العناني قبل استشهاده بدقائق وآخرين من الرفاق ... وبدأ الضرب الكثيف مع الغاز بخرطوش وحي خصوصا بشارع الطيران جهة الحي السابع وشارع النصر جهة طيبة مول وسرعان ما انهارت الدفاعات في شارع الطيران بجوارنا ووصل الغاز من كل اتجاه بجوارنا .. يضرب من كل جانب مع مئات حالات الاختناق وانعدام المسعفين تقريبا ...

تفرقنا في الشوراع الجانبية وإلى الميدان ... وبدأت محاولات ردع الهجوم المسلح علينا بالنبال والشماريخ والطوب .. واتجهت ومن معي إلى أول شارع الموازي للنصر المؤدي إلى يوسف عباس واستترنا هناك مع مجموعة كبيرة من المعتصمين ووصل الرصاص الحي إلى الخيام فأصبحنا نرى من يقتل وهو محتمي في الخيام في الشوارع الجانبية .. إصابات لا حصر لها وشهداء في كل مكان وصعوبة الوصول للمستشفى الميداني بسبب القصف من كل النواحي .. قررنا أن نخرج لمساعدة إخواننا على المداخل وهناك رأيت رأي العين الهجوم الهمجي من القوات الخاصة .. تفريغ للأسلحة الآلية في اتجاهنا بكل معاني الغشومية التي يمكن أن تتخيلها .. ظللنا نستتر وراء حوائط مداخل العمارات هناك وهم يقصفوننا بدون توقف والرد مجموعة من النبال بها بلي زجاجي أو حديدي أو شماريخ الألعاب النارية والعجيب أنهم كانو مرعوبين منها ويتفرقون منها باستمرار ...

تواصل القصف وكان هذا وقت الظهيرة تقريبا وكان الصمود لا يمكن ذكره حتى مكنوا مجموعة من القوات الخاصة من اختراق مدخلنا وهنا أصبت بشظية رصاصة حية في ذراعي الأيسر والحمد لله كان الجرح سطحي ... أنسحبنا وسقط من العديد من شهداء وأصبت خلال الإنسحاب بطلق خرطوش فرش في ظهري وذراعي وقدمي حوالي 15:20 بلية واختبأت بعدها مباشرة في منور لممر جانبي وهنا انهالت علي الرصاصات الحية والخرطوش وأنا أحتمي به .. ظللت حتى هدأ الرصاص وانطلقت للمشفى الميداني مسرعا لأجد المصابين والشهداء يملأون المكان والأطباء لا يعرفون أيهم يسعفون أولا ... نظر الطبيب إلى جراحي وقال لي أنها سطحية جميعها وطهرها وصرفني لأنه لا يملك وقتا ليخرج الطلقات وقال لي (خرجها لما تروح) وطبعا من الواضح أني وسط الإصابات كالمخدوش بجوار المقتول ... خرجت واسترحت قليلا ثم رأيت الهجوم وصل في شارع الطيران بعد بنزينة موبيل مع اجتراق تام لجميع الخيام التي كان فيها حقيبة ملابسي وآخرين بالطبع .. النيران تلتهم كل ما مر عليه جنود العدوان وجرافات الجيش تزيل كل ما تمر عليه ومدرعات الجيش بجوارها تقصف بلا هواده ومن العجيب أن ترى مئات المتظاهرين يقفون أمامهم عاريين الصدور يحملون الطوب ليلقوه على المدرعات والجرارات ويتساقطون واحدا تلو الآخر أمام عينك .. ومما رأيت سقوط شهيد ثم اتجاه اثنين إليه لحمله فسقطوا بجواره شهداء واتجه إليهم رابع فسط هو الآخر بجوارهم شهيدا فرحمهم الله جميعا ..

كان على اليسار عمارة لم يكتمل بناءها وقفت فيها مجموعات للردع تلقي زجاجات الملوتوف على المدرعات ولكنها لا تتأثر نهائيا .. هذه العمارة رأيت بأم عيني أجزاءها تتفتت والخرسانة تتفجر من جوانبها بطلقات الجرينوف (الرشاش المتعدد على ظهر المدرعات) (مضاد للطائرات) ... وظل الضرب عليها بلا هوادة حتى اقتحمهوها واعتلوها وقتلو كل من كان فيها ... ظلوا يتقدموا وكان هذا في الرابعة أو الخامسة عصرا تقريبا فتحركت جهة المنصة لأجد هناك أيضا القصف من كل جانب والشهداء يسقطون في كل مكان والقصف على المشفى الميداني بالغاز والخرطوش والحي والطائرات تحلق من بداية اليوم وتقنص المتظاهرين والقناصين يعتلون أيضا الأبنية المجاورة وصل الضرب للمنصة وحاولنا التحرك باتجاه سيارة البث لإنقاذها لأنها تمثل لنا المنفذ الوحيد للعالم لمعرفة حقيقة ما يحدث ولكن هيهات تم قصفنا بعشرات القنابل المسيلة للدموع وتفرقنا مجددا مع حالات الاختناق التي لم تتوقف طوال ال13 ساعة قصف واتجهت لجزء من أماكن تجميع الجثث خلف المسجد لأرى الجثث بكل مكان ملقاه وعلمت بعدها أن مركز رابعة الطبي بأدواره الأربعة والمسجد وقاعاته كانو مليئين بالجثث .. قفزت من السور الخلفي للمسجد إلى حمامات الاعتصام مع عدد كبير من الناس التي فوجئنا بأننا محاصرين بها من كل الاتجاهات فاستترنا وراء الحوائط ومن كان يخرج كان يُقصف والحوائط حولنا تتفجر بالرصاص من كل مكان ... بعد فترة من القصف سمعنا صوت مدرعة بالخارج يقول (معاكم مهلة خمس دقايق تخرجوا وبعدها هنقتحم ونضرب حي في كلو) ... بالطبع كلنا خرجنا جريا وراء بعضنا وليس من الحمامات فقط بل كان من كل الأماكن المجاورة لها فكنا آلاف نهرول في الشارع وبعد أقل من أربعين ثانية من المهلة ونحن نجري تم قصفنا مجددا وسقط منا شهداء ... جرينا في الشوارع الجانبية وتجمعنا وتحركنا في اتجاه مسجد الايمان بمكرم عبيد وكان هذا بمثابة نهاية الأكشن بالنسبة لي في هذا اليوم وذهبت لأحد أصدقائي القريب من المنطقة وقضيت الليلة عنده لأن ملابسي كانت مخضبة بالدماء وشكلي يرثى له .. كنا 6 من الاعتصام قضينا الليلة عند صديقنا وجلسنا نتسامر وكل واحد يذكر الشهداء الذين يعرفهم لنتحدث وحدنا عن العديد منهم وكل منا يحكي قصة فيلم حدث مع مثل هذا الذي قرأتموه يمكن أن يسرد في رواية منفصلة ... بالطبع رأيت العشرات من المواقف البطولية من الشباب والشيوخ والنساء المعتصمين لا يتسع المجال لذكرها

يُذكر أنني رأيت عشرات الجماجم المتفجرة والأمخاخ تسيل منها وشهداء مصابين في رقابهم مع نوافير الدماء التي خضبت أرض الميدان ويُذكر أيضا أنعدام سيارات الإسعاف طوال ال13 ساعة تماما في الميدان لنقل المصابين لعدم قدرتها على الدخول من الأساس ... أريد ممن يقرأ هذا المقال أن يتذكر أكثر لعبة دموية لعبها عن الحرب العالمية أو أكثر فيلم فيه قتلى في الحرب العالمية .... وليعلم أن ما رأيناه في الميدان كان أسوأ من وأدمى منه وشدة القصف فيه أكبر واعلم أن كل ما رأيت من فيديوهات أو صور لا يصف أكثر من 10% من المشهد الذي رأيناه في ميدان العزة مما لم يستطع أحد تصويره لأن أول من كان يقنص هم المصورون وأظن هذا ظهر من كم المصورين الذين قضو نحبهم من مصريين وأجانب من قنوات وصحف مختلفة .. ان كنتم تتخيلون أن قناة الجزيرة تضخك الأحداث فاعلموا أنها لم تستطع إلا نقل مقدار بسيط من الحقيقة !!

أخيرا ... أقسم لي أناس ممن خرجوا بعدي من الميدان أنهم رأوا دخول الجرافات في المشفى الميداني ومكان الجثث وجرفهم وبعدها حرق المكان بأثره وهو ما رأيناه في الصور .. وأقسم لي آخرون أنهم رأوا عمليات إعدام ميدانية لمن يخرجوهم من الخيام وراء المنصة (يجلسوهم على الأرض ويعدم رميا بالرصاص في الحال) ....

اليوم فقط كان هنا في طنطا أكثر من 6 جنازات على مدار اليوم .. أو هؤلاء ما علمتهم فقط

فالحمد لله على ما كان والحمد لله على ما سيكون والحمد لله على كل حال ونعوذ بك من حال أهل النار

اللهم تقبل آلاف الشهداء الذين ارتقوا إلى جنابك وبشرهم بروح وريحان ورب راض غير غضبان .. اللهم أظلهم في ظل عرشك الكريم وارزقهم منازل الصديقين والشهداء وألحقنا بهم يا رب العالمين

أخي إن ذرفت علي الدموع .. وبللت قبري بها في خشوع
فأوقد لهم من رفاتي الشموع .. وسيروا بها نحو مجد تليد
أخي إن نمت نلق أحبابنا .. فروضات ربي أعدت لنا
و أطيارها رفرفت حولنا .. فطوبى لنا في ديار الخلود

الله أكبر من كل عدتهم ... ونصره قادم لا محالة ...

(إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون .. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا .. وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا .............................. ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالو هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما .. من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .. ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المناففين ان شاء أو يتوب عليهم ان الله كان غفورا رحيما .. ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا .......................) سورة الأحزاب (أقرأوها كاملة)

وأعلم يا من تقتلنا أن (الله غايتنا ... والرسول قدوتنا ... والقرآن دستورنا ... والجهاد سبيلنا ... والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)

» هذه شهادتي أنا فدوى خالد محمد أحمد بدوي الذي سوف يسألني عنها الله